نشأة الإرهاب
خلال
السنوات الأخيرة ازدادت العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم وان كانت موجودة
منذ القدم بل ومنذ ما قبل التاريخ إلا أنها لم تكن على هذا النحو من الضراوة
والخطر الذي اصبح يهدد العالم بأسره إلا انه يصعب تحديد الجذور الحقيقية للإرهاب
أو بداية الإرهاب والعمليات الإرهابية بشكل عام، فيرى البعض أن أول العمليات
الإرهابية البشرية في التاريخ هي عملية القتل التي اقدم عليها قابيل بالنسبة لأخيه
هابيل وذلك بعد أن زوج آدم عليه السلام ابنيه هابيل وقابيل، قال تعالى: "واتل
عليهم نبأ ابني ءادم بالحق إذ قرَبا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر
قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"، فيما يرى البعض الآخر أن عملية القتل هذه جريمة
جنائية ولا يمكن تسميتها عملية إرهابية وان أول العمليات الإرهابية في التاريخ هي
تلك العملية المخطط لها والتي قام بها أبناء يعقوب (اسرائيل) عليه السلام وهي قصة
يوسف عليه السلام والتي بينها القران الكريم، قال تعالى: " لقد كان في
يوسف واخوته ءآيت للسائلين"، حيث
يتضح أن هذه العملية هي أول عملية إرهابية في تاريخ البشرية لكونها خططت ونفذت حسب
الخطة المرسومة لها من قبل المخططين، إلا إن بعض المراجع تشير إلى أن أول الحركات
الإرهابية كانت من قبل اليهود وذلك في الثلث الأول من القرن السابق على ميلاد
السيد المسيح عليه السلام.
الإرهاب في العصور القديمة
كان
الحكم لدى الجماعات القديمة مطلقا، فكان الحكام يجمعون بأيديهم كل السلطات ويقومون
بتشكيل محاكم خاصة لمعاقبة اللذين يخلون بالولاء لهم، حيث كان العقاب بمنتهى
القسوة والعنف والإرهاب، وقد شكلت عدة محاكم في روما لمحاكمة مرتكبي جرائم المساس
بالعظمة وكذلك جرائم التآمر على سلامة الدولة ومحاربة الدين والاعتداء على حرية
المواطن وجريمة إهانة الشعب الروماني، وفي عهد الفراعنة كانت عقوبة الإخلال
بالولاء يعاقب عليها الجاني وأمه واخوته وأولاده.
الإرهاب في العصور الوسطى
16.
تطور مفهوم الإرهاب السياسي في العصور الوسطى نتيجة تطور المجتمعات وظهور الإقطاع
وارتباط الأفراد بالسادة الإقطاعيين بروابط التبعية والخضوع ومحاولة السادة
الإقطاعيين توطيد نفوذهم، وكذلك محاولة الملك أو الإمبراطور الاستثارة بالسلطة
والانفراد بها، وتوسع الملوك في تطبيق جرائم الجلالة والتي يعاقب عليها بقسوة وشدة
وتتم محاكمة هذه الجرائم من قبل محاكم خاصة تعرف بالمحاكم الملكية، وقد جرت هذه
المحاكم في التشريع الروماني والإنجليزي والفرنسي، وقد كانت مهمتها محاربة أعداء
الملك وخاصة رجال الكنيسة والإقطاعيين، وقد كانت أول حادثة إرهاب سياسي وقعت في
عهد الإمبراطورية الرومانية نتيجة الاختلاف السياسي حيث قام الحاكم الروماني
باستخدام العنف والإرهاب في يوم انتخابات الجمعية التريبونية الشعبية ( جمعية
قبلية دينية تعنى بأمور الشعب) وتم قتل المرشح للانتخابات وثلاثة آلاف من أعوانه
بصورة بشعة تظهر الإرهاب الروماني في العصور الوسطى.
17. لم
تكن المحاكم الإرهابية التي تعنى بجرائم الملوك في العصور الوسطى هي وحدها التي
تمارس الإرهاب وانما الحروب الرومانية القديمة والقتل والتنكيل الذي مورس بابشع
أنواعه ضد الحكام أنفسهم من قبل الشعب وكذلك الحروب التي كانت تخوضها الكنيسة ضد
الإقطاعيين وضد الحكام كانت خير دليل على عمق وتفشي الإرهاب في العصور الوسطى، فقد
بارك الفاتيكان الاغتيالات السياسية التي تهدف إلى تدعيم مركز الكنيسة، وبرز في
هذا المجال البابا بيوس العاشر، والبابا جريجوري الثالث عشر، والبابا سيكستوس
الخامس، وقد خلد البابا جريجوري الثالث عشر مذابح عيد القديس بارثو لوميو التي راح
ضحيتها كل من حاول الوقوف في وجه الكنيسة، ومنع تدخلها في شؤون الحكم، وما محاكم
التفتيش التي نشأت للمعاقبة على جرائم الكفر والإلحاد في هذه العصور ألا أحد
أساليب هذه الأعمال الإرهابية.
الإرهاب في العصر الإسلامي
لم
يخلو هذا العصر من المؤامرات والعمليات الإرهابية شأنه في ذلك شأن باقي العصور حيث
كانت العمليات الإرهابية والمؤامرات تخطط يوما بعد يوم ضد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصحابه من قبل العرب المشركين واليهود، فتارة بالسم وأخرى بالسحر وكذلك
القتل والتعذيب وغير ذلك من الأعمال الإرهابية والتي أبدع اليهود بشكل خاص في
تدبيرها ضد الأمة الإسلامية ونبيها الصادق الأمين صاحب رسالة العدل والسلام.
تعددت
الروايات حول وفاة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن هذه الروايات انه مات مسموما،
وكان قد سمه اليهود في طعامه، وقد أكل هو والحرث ابن كلده، فكف الحرث عن الطعام
وقال لأبي بكر أكلنا طعاما مسموما سم سنة، فماتا بعد سنة، ولم يكن اليهود وحدهم الإرهابيون في عصر
الإسلام بل لحقهم النصارى والمجوس والعرب المسلمين أنفسهم، فقد قتل الخليفة الثاني
عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد أبو لؤلؤة، وبعد ثلاثة عشر سنة قتل الخليفة
الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه على يد عصابة عبد الله بن سبأ حيث اقتحمت منزله
في المدينة وذبحته ذبح الشاة أمام أهل بيته وهو يتلو القرآن الكريم والمصحف الشريف
بين يديه، ثم وقعت جريمة إرهابية كبرى وهي اغتيال علي بن أبى طالب كرم الله وجهه،
على يد الخوارج الذين خططوا لاغتيال كل من علي بن أبى طالب خليفة المسلمين، وعمرو
بن العاص ومعاوية بن أبى سفيان، وكلف عبد الرحمن بن ملجم لقتل علي والحجاج بن عبد
الله من تميم لقتل معاوية وعمر بن بكر لقتل عمرو بن العاص وقد نجا معاوية ونجا ابن
العاص.
كثرة
الحوادث الإرهابية والحروب في التاريخ الإسلامي ومنها موقعة الجمل ، موقعة صفين،
مأساة كربلاء، استباحة مكة من قبل الأمويين، معركة مرج راهط، اغتيال مروان بن
الحكم من قبل زوجته، ثورة عبد الرحمن بن معاوية في الأندلس، مذبحة الخندق في
الأندلس ومذبحة المماليك في القاهرة.
كان
من اشهر هذه الحوادث الإرهابية في العصر الإسلامي هو احتلال القرامطة لمكة المكرمة
سنة 930م، حيث قتل حوالي ثمانين آلف حاج بين شيخ وامرأة وطفل واخذ القرامطة الحجر
الأسود إلى عاصمتهم، وقد أخذت حركة القرامطة شكل منظمة سرية ذات طابع اشتراكي
قاعدتها الاحساء وكان يقودها حمدان قرمط، وقاموا بتفسير القران تفسيرا يتكيف مع
مقتضيات كل الأديان والأجناس ووفقا لمصالحهم، أباحوا سفك دماء خصومهم حتى لو كانوا
مسلمين، وقد زرعوا الرعب في أنحاء العالم الإسلامي وهددوا الخلافة حتى جاء
الفاطميون وقضوا على حركتهم، وفي
نهاية القرن الحادي عشر الميلادي قام الحسن بن الصباح بتأسيس فرقة الحشاشين في
بلاد فارس والتي تدين بالمذهب الإسماعيلي الاسلامي، وكان هدف هذه الفرقة القيام
بأعمال القتل والإرهاب في العالم الإسلامي، وكانت هذه الفرقة تدفع أفرادها على
استعمال الحشيش (اصل التسمية) من اجل ارتكاب أعمال القتل باسم الدين، وقد تركت
فرقة الحشاشين آثارا سيئة في المجتمع العربي والإسلامي، ومن الأمور الخطيرة التي
قام بها الحشاشون محاولتهم قتل عدد كبير من خيرة العلماء والقادة والأمراء، وكانت
هذه الفرقة من اشد الفرق العربية عونا للصليبيين فأصبحت أداة غادرة بيد الصليبيين
موجهة ضد العرب والمسلمين بما عرف عنهم من مغالاة بالإرهاب والقتل والتدمير، وظلت
هذه الطائفة تمارس إرهابها إلى أن قضى عليها القائد المغولي هولاكو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق