الاثنين، 23 يونيو 2014

تركيا



دور تركيا في الحرب الباردة
1945 ـ 1974 .



تكمن أهمية تركيا في كونها تنتمي في أن واحد لرافدين مختلفين الغرب أو القارة الأوربية, والشرق الأوسط أو القارة الآسيوية . فهي تحتل موقعا جغرافيا يعد نقطة وصل بين العالمين الغربي والشرقي , وتقع في النطاق الطورانى أو تركيا الكبرى: آسيا الوسطي إلى جانب تركيا الحالية , وتشغل منطقة تنتمي إلى الشرق الأوسط بالمعنى الثقافي والحضاري تدفعها إلى قلب السياسة الشرق أوسطية , ولذلك , فان أهميتها الاستراتيجية تمتد إلى ثلاث دوائر إقليمية يفرضها عليها الموقع الجغرافي وهى :الدائرة الأوروبية, والدائرة العربية , ودائرة آسيا الوسطي . وتشكل هذه الدوائر محاور لحركة تركيا الإقليمية ونفوذها الدولي , وقدراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية , ولرغبتها في أداء دور اوروبى إسلامي شرق اوسطى في أن واحد .

ولقد شهدت تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حركة قومية كبيرة قادها مصطفى كمال أتاتورك , نجح خلالها في القضاء علي الخلافة العثمانية وأعلن الجمهورية التركية التي تولى رئاستها منذ عام 1923 حتى وفاته 1938 , وقد تمكن أتاتورك خلال تلك الحقبة من فرض النظام العلماني على تركيا , كما أرسى أيضا عددا من العادات الغربية في محاولة منه لإلحاق بلاده بأوروبا ومنها استبدل الكتابة بالأحرف العربية إلى اللاتينية .

انهار النظام الدولي الأوروبي مع قيام الحرب العالمية الثانية , ولقد بقيت تركيا محايدة خلال معظم سنوات الحرب , ولكنها دخلت إلى جانب الحلفاء في 23 فبراير 1945  وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة في عام 1945 وأدت نتائج تلك الحرب إلى تحولات وتغيرات جذرية في توزيع القوى على المستوى العالمي , حيث خرجت الدول الأوربية " أقطاب النظام القديم " . دول المحور ودول الحلفاء من الحرب العالمية الثانية منهكة , اقتصاديا وعسكريا وسياسيا , بينما ظهر قطبان عالميا جديدان هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى , حيث بدأت مظاهر العداء بين القطبين تلوح مع نهاية الحرب العالمية الثانية , حيث كان للخلاف المذهبي بين القطبين أثره البالغ في تعميق هوة الخلاف بينهما , وقد أدى ذلك الخلاف  إلى انقسام دول العالم  إلى كتلتين رئيسيتين : الكتلة الغربية الرأسمالية وتتزعمها الولايات المتحدة , ومن ورائها دول غرب أوروبا , والكتلة الاشتراكية الشيوعية التي يتزعمها الاتحاد السوفيتى ومن خلفه دول شرق أوروبا , وقد دخل المعسكرين في صراع سياسي اقتصادي كبير عرف باسم الحرب الباردة في الفترة من 1945 حتى عام 1991 للسيطرة علي العالم  .

وكانت تركيا موضع اهتمام الاتحاد السوفيتي في بداية الحرب الباردة عام 1946 حيث طالب ستالين ببسط سيطرته علي الأراضي الواقعة شرق تركيا , ومنحه حق إنشاء القواعد العسكرية  علي طول سواحل المضايق , وقد اتجه الزعماء الأتراك بزعامة عصمت اينونو إلي المعسكر الغربي للحصول على المساعدات العسكرية والاقتصادية للتصدي للإطماع السوفيتية .

وبالفعل وافقت الولايات المتحدة علي دعم الأتراك وفي عام 1947 أعلن الرئيس ترومان مبدأ ترومان الذي بمقتضاه قدمت واشنطن العون والمساعدة لتركيا , وفي مقابل هذه المساعدات أصبحت أنقرة حليفاً للمعسكر الغربي , كما سمحت الحكومة التركية للولايات المتحدة باستخدام الأراضي التركية لإنشاء القواعد العسكرية .

وازداد ارتباط تركيا بالغرب وأصبحت شركيا أساسيا في الحرب الباردة عندما انضمت إلي حلف شمال الأطلنطي عام  1952 , ومشاركتها في معارك الحرب الكورية بجانب كوريا الجنوبية في نفس العام , كما سارت حصنا منيعا ضد التوسع السوفيتى في الشرق الأوسط , والحقيقة أن الغرب كان حريصا على عدم التفريط في المركز الجغرافي الحيوي لتركيا والاستفادة منه للتهديد الاتحاد السوفيتي عسكريا , خاصة أن تركيا كانت تشترك بأطول حدود مع اثنتين من دول حلف وارسو , هما الاتحاد السوفيتى وبلغاريا , كما قامت تركيا بحكم موقعها على البحر المتوسط بوظيفة الغطاء المكمل لجدار الأمن من جهة الغرب وحماية المصالح الغربية .

وخلال الحرب الباردة كانت تركيا حبيسة علاقاتها مع الولايات المتحدة التي كانت تسعى لوضع استراتيجية لاحتواء الاتحاد السوفييتي على خط يمتد من النرويج إلى باكستان. وكانت تركيا عنصراً أساسياً بسبب سيطرتها على مضيق البسفور, وكانت السياسية الأمريكية علي قناعة تامة أن انتقال تركية إلي المعسكر الشرقي كان من شأنه  أن يفتح الباب أمام موسكو للضغط المباشر علي العراق وسوريا وإيران , وأن أي دور مؤثر للاتحاد السوفيتي في السياسة التركية قد يكسر مركز نظام الاحتواء الأمريكي, وبالتالي تغيير موازين القوى العالمية , حيث كانت تركيا إلى جانب ألمانيا النقطة المحورية في استراتيجية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي .

وكانت السيطرة الأمريكية علي السياسة التركية ونشر الصواريخ الذرية الأمريكية في الأراضي التركية لتهديد الأمن القومي السوفيتي , أحد أهم الأسباب التي دفعت الزعيم السوفيتي خروشوف للرد عليها بنشر الصواريخ الذرية السوفيتية في جزيرة كوبا , والتي أدت إلي اشتعال اخطر أزمات الحرب الباردة في أكتوبر 1962 فيما عرف باسم أزمة الصواريخ الكوبية , والتي انتهت بعقد اتفاق بين موسكو وواشنطن في سبتمبر 1963 قضي بسحب الصواريخ السوفيتية من كوبا في مقابل تعهد جون كنيدي بعدم غزو كوبا وسحب الصواريخ الأمريكية من تركيا .

وبالرغم من فان موقع تركيا القريب من الاتحاد السوفيتي كان محل اهتمام العسكرية الأمريكية  لذلك عقدت الولايات المتحدة الأمريكية مع الحكومة التركية اتفاقية في عام 1969 حصلت بموجبها للولايات المتحدة علي ست وعشرين قاعدة عسكرية في الأراضي التركية  بالإضافة إلى مراكز الرصد والإنذار المبكر ومراكز الاتصالات اللاسلكية وقواعد التجسس وجمع المعلومات . وكذلك التسهيلات البحرية في أهم  المواني التركية مما قوي من مركز الغرب في حربهم الباردة ضد الاتحاد السوفيتي .  

    أما عن تأثير الدور التركي في الحرب الباردة على الشرق الأوسط فان ارتباط الأمن القومي التركي بالغرب والولايات المتحدة كان من العوامل الأساسية التي حكمت سياسة تركيا الخارجية في السنوات الحرب الباردة , وبالتبعية فان تركيا عدت سياستها (الشرق أوسطية ) مجرد امتداد لسياستها المنحازة للغرب , والذي كان هدفه الرئيسي بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى إيجاد نظام دفاعي ضد الاتحاد السوفيتى , وبناء على ذلك قامت تركيا بتشجيع  للدول العربية للانضمام للأحلاف الغربية مثل مشروع قيادة الشرق الأوسط عام 1951 , وحلف بغداد عام 1955 ,  ودعم وتأييد الحكومة التركية لمبدأ ايزنهاور 1957 .
وبالرغم من دور التابع للمعسكر الغربي والولايات المتحدة الذي لعبته تركيا خلال الحرب بالباردة فان المشكلة القبرصية والصراع التركي ـ اليوناني بأبعاده التاريخية والسياسية والدولية كان أحد الأسباب لتعيد الحكومة التركية تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب , فقد فشلت الإدارة الأمريكية في الوصول إلي حل مرضي للصراع بين تركيا واليونان بالرغم من أن الدوليتين أعضاء في حلف شمال الأطلنطي , وكان هناك محوران أساسين تدور حولهما السياسية الأمريكية تجاه المشكلة القبرصية , أولا الحيلولة دون وقوع الجزيرة في  دائرة النفوذ السوفيتي , وثانيا إخراج جزيرة قبرص من دول عدم الانحياز وإدخالها في المعسكر الغربي, ولقد انزعجت الحكومة التركية من الموقف الأمريكي, حيث توقعت انحياز واشنطن لأنقرة في مطالبها في قبرص بحكم كونها الحليف الأقوى للولايات المتحدة بالمقارنة باليونان , وفي المقابل وجدت موسكو أن الصراع التركي ـ اليوناني فرصة ذهبية للتدخل لضرب حلف الأطلنطي من الداخل , واشتدت المشكلة القبرصية باحتلال تركيا للجزيرة في عام 1974 . 

***********************
    






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق