تركيا والقضية الفلسطنية
تتمتع تركيا بحكم موقعها الجغرافي ومجاورتها للعالم العربي بأهمية
كبيرة في منطقة الشرق الأوسط الذي يشغل العالم العربي
اكبر مساحة جغرافية فيه .وقد تميزت
العلاقات العربية – التركية بالتذبذب بين العلاقات الايجابية تاروالسلبية
تارة أخرى بسبب تردد مواقف الحكومات التركية من القضايا الشرعية للأمة العربية
، حيث مرت تلك العلاقات بمرحلتين الأولى بين
عامي 1923-1945 والثانية 1945-1970 وما بعدها . وتعد المرحلة الأخيرة من أهم المراحل تعقيداً ،
ففي هذه الفترة تعددت الأحزاب السياسية وتنوعت أفكارها تجاه سياسة
تركيا الخارجية . وعلى الرغم من تطور العلاقات التاريخية بين الشعوب العربية والأتراك على أساس من
الروابط الثقافية والدينية إلا إنها كانت تعكس مواقف كثيرة من
هذه الأطراف من قضيتين مهمتين هما القضية الفلسطينية والموقف التركي منها ،
والمشكلة القبرصية والموقف العربي منها ، إضافة إلى ذلك ما أسهم به العامل
الاقتصادي في تطوير تلك العلاقات .
وقد تميزت مواقف الحكومات التركية بعد الحرب العالمية الثانية
بالبرود بعد اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني وإقامة علاقات دبلوماسية عام 1949
وانضمامها لحلف الشمال الأطلسي عام 1952 ، مما جعل
سياستها تتماشى مع سياسة
الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة حيث كانت تركيا الدولية الوحيدة التي أيدت
العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وعارضت قرار مصر بتأميم قناة السويس .و بعد عام 1960 أخذت تركيا تراجع سياستها الخارجية
محاولة العودة وبشكل تدريجي نحو المشرق العربي
والعالم الإسلامي مستندة بذلك إلى جملة عوامل
دفعتها إلى إعادة تنشيط علاقاتها الخارجية فضلاً عن العوامل التاريخية
والجغرافية ،
كان العامل السياسي والاقتصادي مؤثراً للغاية في إعادة النظر في سياستها
وصولاً إلى
خدمة مصالحها الوطنية .وكان لتحول في العلاقات العربية – التركية بمثابة الصحوة السياسية التركية ومراجعة للذات بعيداً
عن التأثيرات الخارجية ، مما أصبح لهذا التحول مغزاه في السياسة الداخلية
التركية ، إذ إن لجوء بعض الأحزاب للمجاهرة باتجاهاتها الدينية خلال حملاتها
الانتخابية في الفترة 1965 – 1973 والدعوة إلى توثيق الروابط مع الأقطار العربية لا
سيما ما تبناه حزب العدالة و الرفاه الإسلامي من ضرورة تطوير تلك العلاقات
وإضفاء الطابع الديني على حكمها ، مما جعل فترة الستينات والسبعينات فترة
متميزة في العلاقات بين تركيا والعرب .
ويلاحظ أن رد الفعل التركي تجاه إسرائيل بعد خسارة العرب حرب عام
1967 قد
اشتد إلى حد كبير حيث وضعت تركيا ثقلها
إلى جانب العرب . ففي الخطاب
الذي ألقاه ( إحسان صبري جاغليا نكل ) وزير خارجية تركيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة
في 23حزيران 1967 تطرق فيه إلى موضوع القدس قال فيه ((
تقع الآن مسؤولية جديدة على كاهل الحكومة الإسرائيلية فعليها أن تتجنب أحداث أمر واقع ، وعليها أن
لا تحدث أمراً واقعاً في القدس بصفة خاصة ، و أود أن اذكر أن الحكومة
الإسرائيلية هنا على وجه الخصوص بالرابطة القوية التي أظهرها الشعب التركي
نحو الأماكن المقدسة في المدينة وعلى حكومة إسرائيل أن تطبق قرارات مجلس
الأمن الداعية إلى ضمان سلامة السكان المناطق التي تشهد أعمال عسكرية )).
وفي الإطار ذاته صرح الرئيس التركي ( جودة صوتاي )
أثناء زيارته
للأردن في أيلول 1967 بوجوب انسحاب إسرائيل من جميع
الأراضي التي احتلتها عام 1967 ، وضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشا ن القدس تنفيذاً دقيقاً وسريعاً فيما
القي المندوب التركي لدى الأمم المتحدة اللوم على إسرائيل لعدم تنفيذها
قرارات الجمعية العامة بشان مدينة القدس حيث قال (( أن ما يدعونا إلى الأسف العميق أن إسرائيل لم تنفذ
القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ونود أن
نعيد التأكيد بان وضع القدس يتجاوز إطار الصراع بين العرب وإسرائيل , أن هذه المسالة مرتبطة
بمصالح عدد كبير من الأقطار الإسلامية ويتابعها الرأي العام متابعة دقيقة )) .
إن موقف تركيا من
القدس لم يقف عند هذا الحد ، ففي أواخر حزيران 1967 قامت إسرائيل بإصدار عدد من
القرارات ألحقت بموجبها القدس بالإدارة الإسرائيلية بقصد جعلها جزءاً من إسرائيل وبناءً على
ذلك وافقت الجمعية العامة في 4 تموز على مشروع قرار مقدم من الباكستان
ونال دعم تركيا وغينيا ومالي وإيران .
وهو القرار رقم 2253 والقرار يؤكد عدم نفاذ مفعول القرار الإسرائيلي بشأن
القدس ويطلب منها التراجع عن قرارها وقد وافقت الجمعية العامة على هذا القرار
المرقم 2253 بأغلبية ( 99 ) صوتاً
مقابل لا شيء وامتناع ( 20 ) دولة عن التصويت. كما رفضت وزارة الخارجية التركية
إجراءات إسرائيل الخاصة بنزع ملكية الأراضي في القدس ، وجاء ذلك في بيان أصدرته في
12 كانون الثاني 1967 . ولا شك أن هذا الموقف التركي قد قوبل بالترحيب من قبل
الكثير من الدول العربية ، فليبيا التي أوقفت تصدير بترولها إلى أوربا الغربية
أعلنت في 3 تموز 1967 إنها ستصدر البترول إلى تركيا وغيرها من الدول الصديقة
. وقام الملك حسين بزيارته إلى تركيا في الفترة من 5 إلى 11 أيلول 1967 (( كانت الحكومة التركية على رأس الحكومات التي
وقفت إلى جانب الأمة العربية ، ومن واجبنا أن نشكر
الحكومة التركية بأعمق مشاعر العرفان لهذا الموقف )) . وفي البيان
المشترك الذي صدر عقب الزيارة تم التأكيد على مبدأ عدم الاغتصاب الإسرائيلي
أو احتلال الأراضي بالقوة وضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس
.
وقال رئيس وزراء
العراق طاهر يحيى ، أثناء مأدبة طعام أقامها على شرف رئيس وزراء تركيا آنذاك
سليمان ديمريل الذي قام بزيارة رسمية إلى العراق في 2 تشرين الأول 1967 (( إنكم ستشاهدون
بأنفسكم مشاعر الشعب العراقي والأمة العربية من امتنان وعرفان
لموقف حكومتكم الرشيدة بسبب دفاعكم عن حقوق الأمة ومقدساتها في فلسطين . ومن الجدير بالذكر إن
سليمان ديمريل صرح خلال الزيارة أن تركيا تعارض استخدام القوة لكسب الأراضي
وأعرب عن قلقه الشديد إزاء إجراءات إسرائيل الانفرادية في القدس .في 12 شباط 1968
أعلن متحدث بلسان وزارة الخارجية التركية أن الحكومة التركية لا تعترف بقرارات
إسرائيل فيما يتعلق بنزع ملكية الأراضي داخل مدينة القدس من جانب واحد وهي قرارات
غير مقبولة وتتناقض مع مقررات الأمم المتحدة ، وقد استدعي وزير الخارجية التركي القائم
بالأعمال الإسرائيلي في تركيا وابلغه هذا الموقف وأعرب عن قلق حكومته من أعمال
إسرائيل .
في تموز من السنة
ذاتها صدر بيان مشترك على اثر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي
للاتحاد السوفيتي دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة بعد حرب حزيران
، وذكر البيان أن الجانبين يعلنان أن استخدام القوة يجب أن لا يبرر احتلال أراضي
لضمان فوائد سياسية . وتكرر هذا الموقف عند زيارة الرئيس
التركي جودة صوتاي للاتحاد السوفيتي عام 1969
كما أكد الرئيس التركي موقف بلاده من الصراع
العربي الصهيوني ومن قضية القدس أثناء زيارته للأردن في 17 شباط 1969
عن معارضة تركيا لاستخدام القوة وسيلة لتحقيق مكاسب إقليمية ومنافع سياسية
وأكد ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة تمشياً مع قرارات مجلس
الأمن بما فيها وضع مدينة القدس .
أن ما أقدمت عليه
إسرائيل من تلك الأعمال دفعت تركيا إلى اتخاذ مواقف جديدة من قضية الصراع العربي – الإسرائيلي
انعكست على تطور العلاقات العربية – التركية مع انكماش في علاقات تركيا بإسرائيل ولو بشكل نسبي
. ورغم قيام إسرائيل بالعمل للحيلولة دون
اتخاذ مواقف فعاله تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي و ذلك عن طريق
استخدام ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية وتحريك الجالية اليهودية في تركيا
والتي تتمتع بنفوذ في المجال الاقتصادي ، فان تركيا لم تأبه بتلك الضغوط حيث تم إلغاء
الاتفاقية التجارية بين تركيا وإسرائيل عام 1969 وانخفض التبادل التجاري بينهما ،
كما صوتت على جملة من القرارات بما فيها القرار 2747 الذي يدعو حكومة إسرائيل إلى تنفيذ توصيات
اللجنة الخاصة المعنية للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان
بما فيها مدينة القدس. كما أوعزت الحكومة التركية بإغلاق المكتب
السياحي في أنقرة . ووافق ذلك في السنة ذاتها قرارات عربية خصت العلاقات
الاقتصادية مع تركيا حيث أكد المفوض العام
لمقاطعة إسرائيل في الجامعة العربية ( محمد محجوب) أن المكتب اعد دراسة دقيقة وشاملة
عن العلاقات الاقتصادية التركية – الإسرائيلية ومدى إمكانية إحلال الدول العربية محلها وقد قوبل
ذلك السعي بارتياح تركي .
لذلك يمكننا القول
أن لم تكن نظرة تركيا إلى الوطن العربي قد تغيرت حقيقة بشكل جذري اعتباراً من عام 1965 ، فإنها
مرت بتغيرات يمكن اعتبارها مهمة جداً إذ أصبح لتركيا سياسة
واضحة المعالم بعد عام 1965 . وفي اعتقادي إن هذا التغيير إنما يهدف إلى إصلاح أخطاء الماضي
وتلافيها ناهيك عن العوامل الأساسية التي لعبت دوراً في هذا
التغيير سواء على صعيد السياسة العالمية أو السياسية الوطنية التركية أو على
السياسات الإقليمية في المنطقة . لذلك كانت تركيا تبذل جهوداً حثيثة في عام
1968 وبكل الوسائل لضمان المساندة الخارجية
لها في مسالة قبرص . وقد لوحظ في جميع البيانات المشتركة
الصادرة في ختام الزيارات المتبادلة بين تركيا والدول الأخرى وجود تأكيد للأسس المشار إليها
أعلاه حول إسرائيل ومن ثم التطرق إلى مسالة قبرص , وهكذا تم وضع حل بين احتلال إسرائيل
للأراضي العربية ومحاولات اليونان ضم جزيرة قبرص إليها .
أن سياسة تركيا
تجاه إسرائيل استمرت حتى مع وصول حزب السلامة القومي التركي إلى السلطة حيث عمل
الحزب من خلال ضغطه على الحكومات المتعاقبة تغيير موقفها تجاه القضية الفلسطينية . ففي عام 1973 صوتت تركيا لصالح
قرار الجمعية العام
للأمم المتحدة المرقم 5379 الذي يدين الصهيونية باعتبارها شكلا من أشكال
العنصرية . ولم تكتف
بذلك بل خفضت مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل إلى درجة سكرتير ثاني علما بان التمثيل
الدبلوماسي استمر على مستوى القائم بالأعمال منذ عام 1956 . كما صوتت تركيا إلى جانب
القرار المرقم 123 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 كانون الأول
1980 نتيجة ضم إسرائيل القدس التركية إليها بأغلبية 118صوتا ضد صوتين هما الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني
وامتناع مندوبي 23 دولة عن التصويت واعتبر القرار جميع القرارات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير
وضع الأراضي
المحتلة لاغيه .
إلا أن ما يؤخذ على
موقف تركيا من القضية الفلسطينية هو انه لا يتعدى أن يكون انسياقاً وراء تطور الرأي العام العالمي و
إدانته للكيان الصهيوني في المحافل والمنظمات الدولية ويبدو أن تركيا لا تريد الخروج على
الإجماع الدولي من جهة وتحرص على أن يكون لموقفها الجديد إلى جانب
العرب من اثر في تحسين تلك العلاقات من جهة أخرى .
اتسم موقف حزب
السلامة من قرار الكنيست الصهيوني بضم مدينة القدس و
اعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني بالصراحة والوضوح من خلال المسيرة الجماهيرية التي قادها الحزب في مدينة
قونية في 6 أيلول عام 1980و التي عبرت عن
معارضتها الشديدة لعملية ضم القدس ، وطالبت بقطع العلاقات مع إسرائيل ، كما دعت
المسيرة
إلى حشد العالم الإسلامي و الوقوف أمام التحديات التي تواجهه مشيرة إلى أن
إعلان القدس
عاصمة ( لإسرائيل ) لم تتم لو لا العجز الذي يعاني منه العالم الإسلامي . وقد شارك في هذه
المسيرة التي بلغ عدد المشاركين فيها ما يقرب من ربع مليون نسمة كل من رئيس حزب
السلامة ( نجم الدين اريكان ) وعشرات الآلاف من تنظيمات الشباب العائد للحزب ، كما
شارك فيها ممثلون عن المنظمات الفلسطينية و السفير العراقي – لدى تركيا واحد أعضاء
مكتب فلسطين و الكفاح المسلح في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي و
عدد من النواب الأتراك . واصدر اريكان بعد انتهاء المسيرة بياناً دعا فيه جميع مسلمي العالم إلى الجهاد من
اجل إنقاذ القدس وعودة المسجد الأقصى للمسلمين ، حيث أعلن استعداد الجماهير
التركية للتطوع لتحرير فلسطين ، موضحاً أن الجهاد في سبيل فلسطين هو أعظم ما يطمح إليه
المسلم لتطهير الأرض من رجس الأعداء .
ومن الجدير بالإشارة ، إن ما جاء في بيان ( اربكان ) لم يكن سوى حالة من
الدعم المعنوي للقضية الفلسطينية . إذ إن الحكومات التركية لم تكن راغبة في القيام
بالدور الذي يطمح إليه اربكان ، يضاف إلى ذلك عدم استلام السلطة بشكل مباشرة من
قبل حزب السلامة القومي .وفي لقاء في مدينة ( رمانيا ) اتهم اربكان كلاً من حزبي
الجمهوري و العدالة بتعاطفها مع إسرائيل محملاً إياهما مسؤولية الحالة
الاقتصادية المتردية و الضائقة المالية التي مرت بها تركيا جراء السياسة
الخاطئة
التي انتهجتها تلك الأحزاب والتي أدت إلى فتور في العلاقات التركية –
العربية .
إن الضغوط التي مارسها حزب السلامة ضد حكومة سليمان ديمريل عندما كان عضواً في الائتلاف الحكومي أدت
إلى غلق القنصلية التركية في القدس في
حين رفضت تلك الحكومة قطع العلاقات الدبلوماسية مع ( إسرائيل ) . الأمر
الذي حدا بحزب السلامة إلى تقديم مشروع إلى البرلمان التركي طالب فيه إلى قطع
العلاقات مع إسرائيل وحجب الثقة عن وزير خارجية تركيا (
خيري الدين اركمان ) نتيجة للسياسة التي انتهجها في تأييده للكيان الصهيوني و معارضة
قطع العلاقات معها. وبعد مناقشات أرغم مجلس النواب التركي (
خيري الدين اركمان ) على الاستقالة وعين ( أكرم سيهون ) وزير الدولة التركي وزيراً للخارجية
وكالة ً . وبالنظر لمواقف الأحزاب التركية و الرأي العام التركي مع اعتبارات الرأي العام
العالمي ، بدأت تركيا تعيد النظر في علاقاتها مع إسرائيل منتهجه سياسة أكثر ملائمة مع
المطاليب السياسة في البلاد ، وهذا ما برهنت عليه الأحداث خلال فترة السبعينات
وبداية الثمانينات بعد وصول العلاقات التركية الإسرائيلية
إلى أدنى مستوى لها . ففي عام 1979 كانت تركيا أول دولة في حلف شمال الأطلسي تقيم علاقات لها مع
منظمة التحرير الفلسطينية .
مما تقدم يمكن القول بان سياسة تركيا الخارجية شأنها شأن سياسة معظم
الدول الأخرى كانت تقوم على الاعتبارات العملية الراهنة وليس على
المبادئ – النظرية لاسيما وان موقفها من العالم العربي كانت تمليها مصالحها
الوطنية . إذ ليس
باستطاعة تركيا إقامة علاقات جيدة مع الأقطار العربية و ( إسرائيل ) في وقت واحد وهذا ما كانت
تركيا تحاول القيام به . فتركيا لم يكن لها موقف معلن
و واضح من القضية الفلسطينية التي كانت بالنسبة لها مجرد نزاع دولي .
في وقت عد حزب السلامة القضية الفلسطينية جزء من نظرته الدينية
في معاداته للصهيونية العالمية .
تركيا
والمؤتمرات الإسلامية
أدت الحرب الإسرائيلية العربية عام 1967 إلى اقتراب تركيا من الوطن العربي
، وأتاحت لها الفرصة لتحسين سمعتها في الشرق الأوسط وقد أدت التطورات التي تلت
الحريق الذي شب في المسجد الأقصى بعد حرب حزيران بعامين تقريبا إلى اقتراب تركيا
ليس فقط من الوطن العربي و لكن من العالم الإسلامي أيضاً وبالأخص فيما يتعلق
بالقضية القبرصية التي كانت تزيد من صراعها في السياسة الخارجية التركية لان
الصراع في قبرص تجاوز مفهوم الصراع بين الأتراك و اليونان فالصراع كان بين الديانة
المسيحية والديانة الإسلامية .
لكن حريق المسجد
الأقصى عام 1969 قد وضع تركيا في موقف حرج فقد أدى نشوب الحريق
إلى رد فعل عنيف في العالم الإسلامي كله وبرزت إلى الوجود قضية إسلامية . ورغم قيام تركيا بشجب حادث
إحراق المسجد الأقصى
في 27 آب 1969 على لسان مندوبها في الأمم المتحدة
عندما قال (( إن الحدث الخطير في القدس من قبل إسرائيليين وماله من مخاطر
على العالم الإسلامي لم يكن له مثيل في تاريخ القدس فقط بل أضافت بعداً جديداً
للحالة في الشرق الأوسط )) . وختم المندوب التركي حديثه مطالباً بإجراء تحقيق
مناسب يتضمن تحقيق غير منحاز في
الحادث وتمكين
ممثلي الحكومات الإسلامية من تقدير الأضرار التي لحقت بالمسجد الأقصى لتهيئة خطط
لإصلاحه .فضلاً عن استجابة تركيا لنداء
الدول الإسلامية لعقد مؤتمر إسلامي لمناقشة الوضع في مدينة القدس وحريق المسجد الأقصى ،
وتنسيق الجهود لحماية الأماكن المقدسة .
إلا أن سلوكها في
المؤتمر لم يكن موضع ترحيب من قبل الأقطار العربية إذ إنها عارضت
رغبة مصر لمشاركة وفد فلسطيني بدعوى إن المؤتمر يمثل الحكومات
وان الوفد الفلسطيني لا يمثل حكومة ثم أن حادث حريق المسجد الأقصى
الذي أدى إلى غليان العالم الإسلامي وان كان طبيعته دينية فقد تم اعتباره في الوطن
العربي شكلاً من أشكال الصراع العربي الإسرائيلي فاكسب بذلك طبيعة
سياسية الأمر الذي دعا سليمان ديمريل رئيس وزراء تركيا بان يدلي بتصريح في اليوم
التالي للحريق أي في 28 أب 1969 أوضح فيه إن حكومته مهمته
أساسا بأسباب الحادث وأضاف (( إن ظهور أسباب ذات طبيعة سياسية
ستزيد من فداحة الحادث وتزيد الموقف صعوبة ... إن تركيا ستقف تجاه حريق المسجد
الأقصى إلى جانب بقية الدول الإسلامية )) وتبع ذلك اجتماعاً عقدهُ
الممثلون الدبلوماسيون لعشرين دولة إسلامية في باريس أصدروا بياناً ورد
فيه (( إن المسؤولية عن الحادث تقع مباشرةً على كاهل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وكان من بين
المبعوثين المندوب التركي )) .
لكن الصعوبة
الحقيقية بالنسبة لتركيا ظهرت بسبب مسألة اشتراكهافي
مؤتمر القمة الإسلامي الذي كان من المقرر عقدهُ في الرباط . فقد ادعت
المعارضة السياسية في
تركيا عدم جواز المشاركة في اجتماع كهذا نظراً لطبيعته الدينية . لذلك إن دستور
الجمهورية التركية ينص على علمانية الدولة مما دعا سليمان ديمريل بان يدلي بتصريح في 28 أيلول 1969 قال فيه ((
تجري في تركيا بعض المناقشات ، هل الاشتراك في مثل
هذا المؤتمر سيكون عملاً منافياً للعلمانية أم لا ؟ )) إن سبب هذه
المناقشات هو عدم معرفة الإجابة التامة على سؤال ما هي العلمانية ؟ إن
المؤتمر الذي سيعقد
في الرباط ليس دينياً بل هو اجتماع سياسي وان اشتراك الدول الإسلامية لا يجعل من المشاركة
فيه عملاً منافياً للعلمانية .
عقد مؤتمر القمة
الإسلامي في الرباط في الفترة من 22 إلى 25 أيلول 1969 و دعيت إليه 36
دولة حضر منها 25 دولة من بينها تركيا . ومع إن المؤتمر كان على مستوى القمة فلم يشارك فيه رئيس الجمهورية و لا رئيس
الوزراء بحجة الانتخابات العامة التي كانت تستعد لها
تركيا , حيث مثل تركيا في المؤتمر حسان
صبري جاغليا لكل
وزير خارجيتها حيث أبدى تحفظه عن الإعلان
الذي نشر في نهاية المؤتمر
إن تركيا تساند الإعلان المنشور في نهاية المؤتمر إلى الحد الذي لا
يتناقض مع
قرارات الأمم المتحدة التي صوتت لصالحها أو ساندتها مع المواضيع الواردة في
الإعلان .
لقد تحسبت تركيا
لحراجة موقفها مع إسرائيل و لهذا عمدت في ختام المؤتمر ومعها إيران و السنغال إلى معارضة أي قرار تضمن تأييد للمقاومة
الفلسطينية و إدانة مباشرة لإسرائيل . عندها
وجه رئيس وفد
مصر كلامه إلى رئيس وفد تركيا
قائلاً ولماذا التحفظ هل نحن في محفل دولي نحن أخوه في
امة إسلامية ، إنني لأشعر بخيبة أمل كبيرة إزاء ما حققنا . من هنا يبدو إن موقف تركيا من
حريق المسجد الأقصى كان يتمثل في محاولتها لطرح الموضوع في الأمم
المتحدة على ضوء القرارات التي سبق إن اتخذتها بشأن القدس.
وطيلة السنوات الست
الأولى من انضمامها للمؤتمر الإسلامي تصرفت تركيا
بشيء من التردد مفضلة مشاركة ضعيفة في نشاطاته . إلا إن هذا الموقف تبدل في عام 1975عندما
قررت تركيا المشاركة على قدم المساواة في الاجتماعات وكانت دوافع تركيا
الأساسية في ذلك الوقت هي التماس الدعم من اجل قضيتها في قبرص ( أو في الأقل
تحييد معارضة العالم الثالث الإسلامي بالإضافة إلى تعضيد الروابط مع البلدان الإسلامية
الغنية بالبترول التي وعدت بتعامل تجاري سخي وخلال عضويتها في المؤتمر
لم تكف تركيا عن توفير الدعم السياسي
للقضية العربية في فلسطين لكنها من جانب عدت جميع
الضغوط التي تدفعها لقطع علاقاتها مع إسرائيل ومن جانب أخر أعطت موافقتها
لمنظمة التحرير الفلسطينية على إنشاء مكتب لها على ارض تركية . لكن هذه الموافقة لم تعط
حتى عام 1979 وفي نفس العام قبل المؤتمر الإسلامي الأتراك القبارصة بصفة
مراقبين واتخذ قراراً يحث الاعتراف
باتراك قبرص كمؤسسين متساوين بالدرجة في دولة قبرص وان يمنحوا مرتبة مكافئة مع القبارصة
اليونانيين للمشاركة في المنابر الدولية . وقد حاولت
تركيا ان تلعب في جميع القضايا الأخرى دوراً موازناً في نشاطات المنظمة
. كما شاركت في أعمال لجنة المساعي الحميدة
الإسلامية حول الحرب العراقية – الإيرانية رغم إنها رفضت تولي رئاسة
اللجنة وقد واصلت تركيا موقفها دون تغيير في المؤتمرات الإسلامية اللاحقة التي عقدت
في جدة 1970ومحاولة استضافتها للمؤتمر الإسلامي
عام 1976 . في عام 1980 احتجت تركيا على إجراء إسرائيل الرامي إلى جعل مدينة
القدس عاصمة للكيان الصهيوني وأعلن وزير خارجيتها آنذاك قرار حكومته بإغلاق
قنصليتها العامة في القدس بسبب (( إن إسرائيل تحاول إيجاد الأمر الواقع حول الوضع
القانوني في القدس ))
لذلك يمكننا القول
إن ابرز ما يميز المواقف التركية بشأن القرارات الدولية حول القدس هو مراعاتها للإجماع الإسلامي حتى وان كان يتعارض أحيانا
مع تطلعات و مبادئ السياسة الخارجية التركية .إلا أن تركيا انتقصت من خلال دورها في
المؤتمرات الإسلامية اذ مكنها هذا الدور من إحراز الدعم من قبل
ممثل الدول المشاركة هذا فضلاً عن إنها قد مثلت تياراً معتدلاً في صياغة
سياسات المؤتمرات الإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق