اهمية الدور التركي في الاستراتيجية الامريكية
ان المتتبع لتاريخ العلاقات الامريكية التركية بعد الحرب
العالمية الثانية يجد ان هذه العلاقات تم تاسيسها على اساس المصالح الاستراتيجية
والامن المشترك حيال تركيا، وخلال الحرب الباردة فان الولايات المتحدة كانت تتطلع
الى تركيا باعتبارها سداً ثابتاً ضد النفوذ السوفيتي في الشرق الاوسط ولهذا فان
دور تركيا كان مجرد اداة تنفيذية ضمن الاستراتيجية الامريكية ومنعت من ان تلعب
دوراً هاماً في منطقة الشرق الاوسط لمدة طويلة.
ولكن الولايات المتحدة غيرت نظرتها الى تركيا بعد انتهاء
الحرب الباردة ولاسيما بعد احداث 11 أيلول 2001 بأعتبارها اكثر من مجرد حاجز
جغرافي مما يؤثر الى حدوث تحول في طبيعة هذه العلاقة اذ ان معظم سنوات التحالف
والعلاقة تم انشائها في اطار الحرب الباردة.
لاريب فان اهمية تركيا ازدادت في الاستراتيجية الامريكية
بعد ان اختارت الولايات المتحدة العالم الاسلامي كساحة مواجهة لها في اطار حربها
المعلنة على مايسمى بالارهاب بغزوها افغانستان والعراق بين عامي 2001-2003 حيث
تزايدت الحاجة الامريكية الى الدور التركي ليس من منطلقات عسكرية فحسب وانما
حضارية وثقافية وسياسية واقتصادية في المقام الاول.
فهناك تصور واضح لدى واشنطن بان تركيا تمثل بديلاً
ناجحاً للنفاذ الى العديد من بلدان الشرق الاوسط ووسط اسيا وكنموذج اسلامي معتدل
يحتذى به وكضو مسلم وحيد في حلف الناتو اضافة الى علاقاتها التاريخية مع الغرب.
والاهم من كل ذلك فان منطقة الشرق الأوسط ككل تشكل أهم
التحديات الإستراتيجية المطروحة على الإدارات الأمريكية المتعاقبة من حيث الابقاء
على الهيمنة الامريكية في منطقة جغرافية استراتيجية وتضم اكبر شركات العالم من
النفط والغاز الطبيعي وهي حيوية جداً للولايات المتحدة والغرب والاسواق العالمية
بما تمده من موارد للطاقة من النفط والغاز.
ولاشك ان احد الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في
اسيا الوسطى والقوقاز هو تمهيد الارضية المناسبة امام الشركات النفطية الامريكية
العملاقة الطامحة في استثمار نفط المنطقة والتي تعد اليوم الثانية من حيث
الاحتياطي النفطي في العالم بعد الخليج العربي، وكانت العيون الامريكية موجهة
دائما على نفط القوقاز وبحر قزوين حيث الابار الاذرية التي تحتفظ بعلاقات وشراكات
وثيقة مع الولايات المتحدة، اضافة الى السعي الامريكي الحثيث الى تدشين خط جديد
لنقل النفط والغاز الطبيعي عبر خط باكو- تبليسي- سيحان التركي على البحر المتوسط
من اجل الالتفاف على خطوط النفط العابرة لروسيا واوكرانيا وروسيا البيضاء ثم الى
اوربا الغربية.
ومن المرجح ان السياسة الامريكية التي اعتمدها بوش الابن
في أطار حملته العسكرية على افغانستان والعراق ومحاصرة اطراف رئيسية اخرى مثل
ايران وسورية والعمل على اضعافهم قد ساهمت بفتح الطريق امام تركيا للامتداد إقليميا
من خلال دفع تركيا باتجاه تخفيف التوتر بين هذه الدول وبين تركيا وسهل سبل التعاون
معها، فحاله الاستقطاب الإقليمي السائد اعطت وزنا كبيراً للسياسة التركية العابرة
للاستقطابات والمعسكرات.
وعليه فان العلاقات التركية- الامريكية في زمن الرئيس
السابق جورج دبليو بوش قد اتسمت بعدم الاستقرار بسبب انتهاج حكومة اردوغان سياسة إقليمية
مستقلة حيال الكثير من قضايا المنطقة والتي لاتنسجم غالبا مع السياسة الامريكية
لاسيما سياسة بوش العدائية في المنطقة والتي تعد السبب الرئيسي الذي يكمن خلف
معاداة الشعب التركي وشعوب المنطقة وشكل العامل الاكثر حضوراً في تصاعد حدة العداء
بينهما وسببا كافياً لتوتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
غير ان هذا التأزم في العلاقة التركية الامريكية قد تم
ملافاته بعد الزيارة التي قامت به وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس
لانقرة في 24 نيسان 2004 وتاكيدها مع نظيرها عبدالله غول على اهمية الشراكة
الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا مشيرة الى تطابق وجهات نظر البلدين تجاه
جملة من القضايا الإقليمية والدولية خصوصاً مايتعلق بالعراق وايران وافغانستان.
حيث يشير مضمون وثيقة الرؤية الاستراتيجية المشتركة
التركية- الامريكية الى ان الخارجية التركية قد خطت خطوات مهمة عن طريق اعادة
تفعيل الدور التركي الإقليمي والدولي، وتركز الوثيقة الى تصعيد الدور التركي في
المستقبل المنظور فيما يخص القضايا العربية مثل قضيتا العراق وفلسطين فضلا عن قضية
الملف النووي الايراني.
والواقع ان قيام البرلمان التركي برفض طلب الادارة
التركية للسماح بدخول القوات الامريكية عبر الاراضي التركية الى شمال العراق عشية
الغزو الامريكي للعراق عام 2003 كانت نقطة تحول تاريخي بالنسبة لتركيا بأثبات
قدراتها على عدم الانسياق وراء السياسة الامريكية الساعية للعدوان على الشعوب من
ناحية وضعف قدرة واشنطن للضغط على تركيا من ناحية ثانية.
ولاعتقاد تركيا بان الولايات المتحدة تدرك وتعترف بحقيقة
اهمية الدور التركي في الاستقرار الإقليمي والعالمي وان تجاهل هذه الحقيقة سيلحق
الضرر بعلاقة الشراكة الاستراتيجية بينهما، لاسيما ان شغل تركيا مقعد غير دائم في
مجلس الامن الدولي حتى نهاية عام 2010 سيساعده على تعزيز فعالية دورها في حل قضايا
المنطقة.
ورغم هذة الحقائق التي لايمكن تجاهلها فانه لايمكن
لتركيا ان تلعب دوراً فاعلاً ومهماً في معالجة قضايا المنطقة وحلها دون الرضا
الامريكي ودون الاتفاق بين واشنطن وانقرة على مبادى اساسية لذلك الدور ودون رؤية
مشتركة وتعاون في الجهود بينهما.
ويتضح من ذلك رفض الولايات المتحدة دور الوساطة التي
عرضتها تركيا للتوسط بينها وبين ايران فيما يخص الملف النووي الايراني بعيدا عن
محاولات عزل ايران ومعاقبتها اقتصاديا وانما من خلال اشراكها الحوار معها بشان
الاستقرار بالمنطقة.
كذلك الحال عدم رضا الولايات المتحدة عن العلاقة التي
بدات تتوطد بين تركيا وسورية والتزام تركيا الصمت حيال الضغوط الدولية والإقليمية
بقيادة واشنطن ضد سورية في ربيع 2007 لكي تسحب قواتها من لبنان.
ومع ذلك فان وصول باراك اوباما الى البيت الابيض قد ساهم
في تخفيف حدة الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة حيث كان اختيار تركيا كأول بلد
اسلامي يتم زيارته له يدل على مدى اهتمام الادارة الامريكية الجديدة بالدور التركي
الإقليمي حيث تحدث الرئيس الامريكي اوباما يوم 6 نيسان 2009 بقوله (ان الولايات
المتحدة ستواصل دعمها لتركيا لما لها من دور مركزي) و(ان الولايات المتحدة وتركيا
تسعيان لخدمة العديد من الفرص والازدهار لشعبينا وخاصة عندما يتعلق الامر بالطاقة
ويمكننا زيادة التجارة والاستثمار بين بلدينا) وقد دعا اوباما الى قبول تركيا في
عضوية الاتحاد الاوربي بقوله (دعوني اكون واضحاً فان الولايات المتحدة تؤيد بشدة
مساعي تركيا لكي تصبح عضواً في الاتحاد الاوربي).
والواقع ان التوجه الامريكي الجديد حيال تركيا يمنح
حكومة اردوغان حرية المناورة والحركة باتجاه انتهاج سياسات إقليمية فاعلة ومؤثرة
طالما تكن تلك السياسات متناغمة مع التوجه الامريكي ازاء المنطقة حيث تتوخى ادارة
اوباما دوراً رئيسياً لتركيا في الشرق الاوسط وفي الجوانب التي تخص القضايا
والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة ومنها مايلي:
1.
دور رئيسي في استقرار العراق
2.
استعادة الولايات المتحدة زمام السيطرة والاستقرار في افغانستان
3.
تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وايران
4.
التخفيف من الدعم السوري والايراني لحزب الله في لبنان وحماس في غزة
5.
تعزيز النفوذ الامريكي في اسيا الوسطى
6.
ايقاف انجراف تركيا نحو التعاون الاستراتيجي مع روسيا.
7.
توفير طرق انابيب نقل موارد الطاقة الهائلة من حوض بحر قزوين باعتبار تركيا
ممر العبور الى الاسواق العالمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق