حلف بغداد
تأسس هذا الحلف في شباط 1955 على هيئة
اتفاق عسكري في بداية أمره بين العراق وتركيا، ثم انضمت إليه كل من بريطانيا
والباكستان وإيران في نفس العام بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي لم تكن عضويتها
كاملة في سنواته الأولى.
وكان الدافع الأكبر وراء إنشاء هذا
الحلف الذي جاء بتخطيط من الولايات المتحدة، هو الموقع الاستراتيجي المتميز لمنطقة
الحلف، إذ أن هذا الموقع يمتلك العديد من العناصر المهمة:
تعتبر دول الحلف منطقة نفوذ مهمة للقوى
الاستكبارية، حيث تتركز فيها مصالحها الاقتصادية بشكل كبير بفضل المخزون الهائل من
البترول في أراضيها.
أن هذه المنطقة متاخمة للحدود الجنوبية
للاتحاد السوفيتي، وعلى هذا الأساس فإنها تمثل البوابة التي يمكن من خلالها التوغل
إلى منطقة الشرق الإسلامي بأسرها.
وهذا ما يحتم على الدول الغربية وفي
مقدمتها الولايات المتحدة ان تسعى لغلقها بوجه التوسع السوفيتي، وبذلك سوف تستكمل
الولايات المتحدة حلقات حصارها الاستراتيجي للمعسكر الشيوعي، بعد أن حاصرته من قبل
بحلف شمال الأطلسي غربا، وبحلف جنوب شرق آسيا شرقا.
ان منطقة الشرق الإسلامي بدأت تشهد أوضاعا
سياسية قلقة، وهذا ما يستدعي من الدوائر الغربية تقوية الأنظمة التابعة من خلال
تحالف عسكري يربطها بها أكثر ويوفر الحماية الكافية للأنظمة الحاكمة.
هذه الأسباب دفعت الولايات المتحدة إلى
انشاء حلف بغداد لتصل من ورائه إلى اهدافها السياسية. ولقد أخذ هذا الحلف الكثير
من اهتمام الرئيس الأميركي أيزنهاور اذ أنه كان يخطط لأن يضم الحلف إلى عضويته
دولا جديدة من الشرق الإسلامي، وقد كانت له ثلاث محاولات في هذا الخصوص فشلت كلها
على حد سواء.
الأولى كانت مع الأردن، وقد ابدي الملك
حسين رغبته في الانضمام إلى حلف بغداد، إلا أن الاوضع الداخلية في الأردن حالت دون
أن يحقق حسين رغبته. حيث شهدت الأردن معارضة قوية تشجب حلف بغداد للدرجة التي
أخافت النظام فتراجع الملك حسين عن قراره وفشلت بذلك المحاولة الأولى.
والثانية كانت مع مصر، غير أن مصر كانت
ترفض فكرة الانضمام إلى أحلاف عسكرية، انطلاقا من حساباتها السياسية الخاصة، وقد
رافق هذه الفترة تأميم مصر قناة السويس، فشنت على اثر هذه الخطوة بريطانيا وفرنسا
والكيان الصهيوني هجوما على مصر في عام 1956، وبذلك أصبح مستحيلا انضمامها إلى
الحلف.
وهناك عوامل أخرى كانت تحول دون انضمام
مصر إلى حلف بغداد، أهمها الاختلاف الكبير في الاتجاهات السياسية بين دول الحلف
وخصوصا بين الحكومة الملكية في العراق وبينها، هذا الاختلاف الذي كان يصل إلى درجة
العداء الصريح.
والثالثة: كانت مع سوريا والتي كانت
نظرتها تجاه الأحلاف مشابهة لنظرة مصر، وقد تعرضت سوريا إلى تهديد عسكري من تركيا
عام 1957. مما شنج علاقاتها ليس مع تركيا فحسب، بل مع الولايات المتحدة أيضا
باعتبارها تقف وراء تحرشات تركيا العسكرية.
يضاف إلى ذلك ان التوتر بين سوريا
والعراق كان أكثر حدة مما هو عليه بين مصر والعراق، حيث انه وصل إلى حياكة
المؤامرات، كما أعلنت بذلك الحكومة السورية عن اكتشافها مؤامرة تستهدف إسقاط
السلطة، دبرتها حكومة نوري السعيد بالتنسيق مع السفارة الأميركية في دمشق. وقد
أزمت هذه الحادثة علاقة سوريا مع العراق إلى درجة كبيرة. وبذلك سقطت كل احتمالات
ضم سوريا إلى حلف بغداد.
أن هذا الأسلوب الأميركي لم يأخذ بنظر
الاعتبار تصور الدول العربية لسياسية المنطقة وظروفها، حيث كانت هذه الدول ترى ان
الخطر الذي يهددها لا يكمن في الاتحاد السوفيتي، فمواقفه تجاهها لا تدل على أنه
يروم التدخل في المنطقة عسكريا، بل انها كانت على العكس من ذلك. فلقد اعرب الاتحاد
السوفيتي عن استعداده لدعم هذه الدول عسكريا واقتصاديا. كما انه وقف إلى جانبها
سياسيا معززا مواقفها في بعض الأحداث السياسية، كما فعل مع مصر حين هدد بالتدخل
واستخدام سلاحه النووي إذا لم يتوقف العدوان الثلاثي على مصر. وكما وقف إلى جانب
سوريا عندما تعرضت للتهديد العسكري التركي. وهذا جزء من أساليب الاستكبار في مد
أذرعه.
أن دول المنطقة لم تكن تدرك ان السوفيت
يحاولون بسط سيطرتهم على المنطقة من خلال الطرق الدبلوماسية التي يتبعونها. فقد
كان تصور تلك الدول أن الخطر له صورة واحدة فقط ملامحها العامة التدخل العسكري
ولقد ساهمت واشنطن إلى حد كبير في رسم هذه الصورة أمام أعينها، وحيث ان التدخل لم
يحدث فلا خطر أذن من السوفيت او من الشيوعية، في حين كانت الأحزاب الشيوعية تمتد
داخلها.
المهم ان أنظمة المنطقة لم تكن مقتنعة
ان الخطر قادم من الاتحاد السوفيتي بل كانت تتصور أن الخطر الذي يهددها يتمثل
بالكيان الصهيوني، وأن كان هذا التصور لم يُبنى على قناعة حقيقية، ولم تكن له
تطبيقات جادة نظرا لتبعية تلك الأنظمة للقوى الاستكبارية، إلا أنه كان مفروضاً
عليها لاعتبارات الساحة التي كانت متوجهة نحو قضية فلسطين.
هذه الحقائق لم تدخلها الإدارة الأميركية
ضمن حساباتها السياسية في المنطقة، وتجاوزتها عندما أرادت إدخال أنظمة المنطقة في
حلف بغداد. فكانت النتيجة أن اقتصر الحلف على عضوية دول الست فقط.
وحتى هذا الدول لم تستمر طويلا في
الحلف. فبعد أربع سنوات انسحب العراق من عضويته على اثر انقلاب 14 تموز 1958. كما
انسحبت إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه عام 1979. ثم انسحبت
بعد ذلك الباكستان وتلتها تركيا، ولم يبق إلاّ بريطانيا والولايات المتحدة،
فاعتبر الحلف بحكم المنحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق