لقد امن النورسى إيمانا راسخا بأنه من الممكن أن
تتعايش الروح الإسلامية مع الحياة العصرية , وان يمارس المسلمون إسلامهم دون اللجوء
إلى السلطة السياسية . وفى هذه النقطة كان فكر النورسى الإسلامي كما تبلور فى كتابات
ما بعد العصر العثمانى , مغايرا مع فكر العديد من المفكرين الاسلامين فى تلك الفترة
, حيث إن معاصريه من أمثال محمد إقبال , والعلامة المودودى وحسن البنا , وسيد قطب قد
دافعو بطريقة أو بأخرى عن إحياء الإسلام "كسياسة" وليس كعقيدة فقط . وبعد
الحرب العالمية الأولى , لم يعد النورسى مهتما بالسياسة كوسيلة لحماية الإسلام , حيث
اعتقد انه يمكن القيام بذلك دون اللجوء إلى رجال السياسة ولا عالم السياسة . ومن هنا
يمكن أن نقول إن النورسى لم يجذ ب انتباه الغرب كثيرا لأنه لم يدافع عن الإسلام السياسي
فى حد ذاته . ومع ذلك يبدو وجود اهتمام جديد بعمل النورسى خاصة بين علماء الغرب المهتمين
بالروحانيات , ومقارنة الأديان , وقضية الدين والحداثة بشكل عام .
أنة من الأهمية بمكان أن نفكر دائما فيما إذا كان
يمكن حفظ الإسلام بمعزل عن السياسة. بمعنى أخر , هل نريد دولة إسلامية حتى نؤسس العقيدة
الإسلامية أو ننشر الأفكار الإسلامية . فى الحقيقة يبدو إن إجابة النورسى بعد تأسيس
الجمهورية التركية كانت بالنفي ,اى أن الإسلام يمكن
أن يزدهر بدون دولة إسلامية . وفى حقيقة الامر ,
كتب النورسى أن الإسلام وعقيدة الغالبية فى العالم الاسلامى سوف تتحسن عندما تتركهما
القوى الموجودة وشانهما .
لقد اشتغل بديع الزمان فى المرحلة التى سماها مرحلة
سعيد القديم قبل تأليف رسائل النور بالسياسة لدرجة ما بقصد خدمة الدين والمقدسات ,
لكنة عندما شاهد أن السياسة بدأت تنحرف عن غايتها , وانقلبت نحو الصراع من اجل المنفعة
, وفتحت الطريق للتطرف والتفرقة , قررانة لا يمكن أن يخدم الإيمان والقران بهذه الطريقة
, وصرف نظرة عن عالم السياسة .
" ا ننا سعينا لأجل إسعاد هذه الأمة والبلاد
بجعل السياسة أداة للدين وفى وئام معه تجاه أولئك الذين جعلوا السياسة المستبدة آلة
للإلحاد وعذبونا "
وقد كان احد أهم الأسباب لمنع بديع الزمان تلاميذه
من السياسة هو أنها تفتح طريق الخلاف وتفسد الأخوة الإسلامية.
ورغم انه لا توجد لنا أية علاقة مع أهل السياسية
" إن الذين يتعرضون لنا إنما يتعرضون للإيمان
مباشرة ويتعدون علية.
فنحن نحلهم إلى العلى القدير ورغم أنة لا علاقة لنا
بأهل السياسة قطعا , فليعلموا جيدا انه ليست إلااسس رسائل النور التى تحافظ على هذة
الأمة من التردي والسقوط فى الهاوية والفوضى والإرهاب "
ويعبر عن قلقة فى هذا الخصوص على الشكل التالي
:-
" حذار......حذار......أيها الإخوة من أن تقذفكم
التيارات التى تلفت الأنظار نحو الخارج , إلى التفرقة , إذ تجعلكم بعد ذلك الدستور
الشيطاني والعياذ بالله :( الحب فى السياسة والبغض فى السياسة )بدلا من الدستور الرحمانى
(الحب فى الله والبغض فى الله ) إذ عندها تعادون أخا لكم هو فى الحقيقة كالملاك وتولون
الحب لرفيق فى السياسة وهو كالخناس وتبدون الرضا لظلمة ,وتشاركونه فى جنايته ضمنا
. فحذار حذار من هذا "
فان النصيحة التى أكدها وكررها لنا بديع الزمان نتيجة
تجربة ومعاناة , تتضح سلامة مضمونها وصحة أثارها ونتحها , على صعيد واقع العمل الاسلامى
فى كثير من البلاد العربية والإسلامية .
إن أكثر الجماعات والحركات الإسلامية , قد تورطت
فيما حذر منه الأستاذ النورسى رحمة الله , فقد طاب لها أتتبع فى أنشطتها الإسلامية
سبل الأحزاب والمنظمات الأخرى التى لا شان لها بالإسلام وخدمته , وإنما تضع من السياسة
هدفا نصب عينيها , وسبيلا فى طريقها . فالسياسة هي حرفتها , وهى الواسطة والغاية معا
. فقد اخذ أكثر هؤلا , الجماعات يقلدون أولئك السياسيين المحترفين , دون أن يلاحظوا
الفروق الهائلة الكبرى بين جوهر الفرضين وطبيعة المنهجين .
كان النورسى يطلق على الديمقراطيين بين الحين والأخر
لقب "الأحرار" ,وكان يقصد بهذا اللقب المؤيدين للحرية الشرعية , تلك الحرية
القائمة على التقاليد الدينية , والتي عمل على ترسيخها أثناء الفترة الدستورية التى
امتدت طوال العقود الأولى من هذا القرن , بل وكانت هي المسار الذى طالما حلم بيه النورسى
, وأراد للديمقراطيين أن ينتهجوه ’ اى إن النورسى كان حريصا فى كل علاقاته على حث الديمقراطيين
على خلق بيئة اجتماعية وسياسية تسمح بتعزيز الدين واحتواء القوى المناهضة له , بل وتؤدى
إلى تطور طبيعي وامن لمجتمع تغلب الصبغة "الإسلامية " على كافة مجالات الحياة
فيه , لذا ركز النورسى جل اهتمامه فى الحفاظ على الأمن والنظام العام .
كان للمنفى في بارلا وقسطمونى واميراداغ الذي حط
بة الشيخ بديع الزمان سعيد النورسى , دور كبير في تأليف رسائل النور النورسية , والتي
لعبت دورا كبير في تأليف تأصيل الفكر السياسي الإسلامي , حيث ألف بديع الزمان مابين
عام (1950-1962) مايزيد على 130 رسالة أضيفت إلى خمس عشر رسالة الفت من قبل , باللغة
اللغة التركية , والحروف العربية , وقد ترجمت فيما بعد إلي مختلف اللغات منها : العربية
والألمانية والانجليزية والفرنسية والايطالية والاوردية والكردية والي لغتي كوجاراتى
وملايا .
وقد انكب تلاميذ بديع الزمان النورسى على تناقله
رسائله , ونشرها فى بادئ الامر بخط اليد , حتي قيل في حقها : (أن الإيمان قد تحدى التكنولوجيا
) .
ومما يجدر ذكره بحق رسائل النور , أنها قد ولدت في
جو من المضايقات الأمنية للشيخ بديع الزمان ,فكان كلما اشتد علية الضيق هرع إلى القران
أنيسة ومباعد الهموم عن نفسه , فانبعثت من نور القران الكريم رسائله.
لقد دعا النورسى في هذه الرسائل إلى التعايش بين
الإيمان والعلم , ولم يدر فى خلده فى يوم من الأيام السيطرة على النظام السياسي مطلقا
أو الاشتراك في ادارتة , وإنما كان مقصودة من وضع رسائل النور النورسية بث عدد من الأفكار
السياسية أهمها .
1.
إن الآراء يجب أن تنبع من
مبادئ الإسلام ,وعدم التخلي عن الواقعية , وفى هذا رفض لكل نظام لا يتخذ من الإسلام
حجر الزاوية فى المنطلقات والتوجهات .
2.
البعد عن الجمعيات واللجان
السياسية , لأنها مليئة بالمؤامرات,وفى راية لان كل جمعية أو لجنة سياسية يكون همها
الأول الإطاحة بالأخرى , فى حين يرى إن هم الوطن يجب أن يعلو كل الهموم , وتلك التى
من هذا القبيل هي التى يفسح لها الطريق لتزدهر فى ربوع الأوطان .
3.
الجمع بين العلم والدين جنبا
إلى جنب , وفى هذا البعد عن العلمانية ,ويعنى
العمل على إحباط ما قام به الكماليين قادة حركة الاتحاد والترقي من إجراءات
ضد الإسلام .
4.
إن العلم يقوم موضوعيا فى
مناقشة وتقويم الآراء , لان الموضوعية هي السبيل نحو تشخيص الحقائق , ومناقشة الآراء
, وهذا يعنى إعطاء حرية الراى للجميع من خلال الأخذ بالشورى والتي هي من صميم مبادئ
الإسلام .
5.
إن التغير فى الأفراد والمجتمعات
يأخذ وضعة فى ميزان الزمن بصورة تدريجية وإجراءات الطبيعة ,
وفوق هذا فان النورسى
قد عالج عدة موضوعات وبتخصصات مختلفة مثل : اللاهوت و الفلسفة و تفسير القران الكريم
و علم الاجتماع والاقتصاد والسياسة , وأجهد فكره فى كل منهما , وذلك للوصول إلى منهجية
للتغيير, توافق طبائع البشر قابلة للتطبيق , وكان النورسى يؤمى وبصورة مباشرة إلى العودة
إلى منهجية الرسول صلى الله علية وسلم , والتي صاغت امة صياغة جديدة ليس لها من قبل
ولا من بعد مثيل , وبنت دولة رفرفت راياتها من جنوب فرنسا وحتى الصين , مهابة الجانب
قوية البنيان , الأهداف التى أراد بديع الزمان الوصول إليها من وراء تأليف رسائل النور
هي مساعدة الإنسان للقيام بمسؤولياته تجاه دينه وقيمة الخلقية , والوصول إلي الاستقرار
النفسي من خلال بناء الإخوة الإيمانية القائمة على الإسلام والتمسك بالأخلاق الإسلامية
, والتعاون بين إفراد المجتمع , وتحقيق العدالة والمساواة , وحفظ النظام الاجتماعي
, ومنع الفوضى فى المجتمعات الإسلامية , وهذا يقتضى إصلاح التعليم الديني , ومحاربة
العنصرية , والتأكيد على وحدة العلوم واعتبار القران الكريم هو الأساس, وكشف الجوانب
الشريرة فى الحضارة الغربية لتجنبها , وبيان الجوانب النافعة والأخذ بها , مع الحرص
على تقوية الإيمان بالله واعتباره الأساس لغيرة من أركان الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق